حكايات في الحظ والنحس .. لعنة الفراعنة




عام 1922 كان عاما استثنائيا لا ينسى في عالم الآثار المصرية، ففي تلك السنة توصل المنقب البريطاني هاورد كارتر إلى اكتشاف قبر الفرعون توت عنخ آمون بعد سنوات طويلة ومضنية من البحث والتنقيب في وادي الملوك بالأقصر، وبعد أن كاد اليأس يتسلل إلى قلبه وقلب مموليه. وأهمية هذا الاكتشاف لا تنبع من شخصية صاحب القبر، أي الفرعون توت، ذلك الفرعون الشاب الذي توج حاكما مطلقا لمصر وهو لم يزل طفلا في التاسعة من عمره، ولم يمتد حكمه سوى لسنوات معدودة، إذ وافته المنية قبل بلوغه عامه التاسع عشر، فلم يكن عهده ذو أهمية بالغة في تاريخ مصر القديمة كما هو الحال مع عهد والده المثير للجدل الفرعون أخناتون الذي هز أركان عصره بتغييره لدين وعاصمة الدولة.


لكن على الرغم من أن الفرعون توت لم يكن فرعونا عظيما على وزن رمسيس الثاني وتحتمس الثالث، إلا إن أهمية قبره تكمن في حقيقة كونه أول قبر ملكي فرعوني تنجو كنوزه بالكامل من سرقة وعبث لصوص المقابر. وقد كانت تلك الكنوز من الروعة والبهاء والبذخ والجمال بحيث خطفت أبصار وأنفاس الناس حول العالم وتحولت سريعا إلى مادة دسمة للكثير من القصص والحكايات والأساطير، أشهرها تلك التي تحدثت عن لعنة غريبة وغامضة أصابت وطاردت العديد ممن ساهموا وشاركوا في فتح قبر الفرعون الشاب.

ويقال بأن تلك اللعنة المميتة ابتدأت منذ أن خطى كارتر بقدمه لأول مرة إلى داخل القبر، منذ أن مر بجسده تحت تلك العبارة الهيروغليفية المخيفة التي نقشت فوق مدخل القبر والتي تقول .. "سيأتي الموت على أجنحة رشيقة لكل من يقلق راحة الملك" .. وهي عبارة ربما لم يأخذها كارتر وزملاءه على محمل الجد، لكنهم ومن حيث لا يعلمون كانوا قد أطلقوا العنان للعنة شريرة عمرها عشرات القرون، فالمصريون القدماء كانوا أساتذة في السحر، خصوصا الكهنة، وقد أتى على ذكر براعتهم وحذاقتهم وخفة يدهم في فنون السحر جميع من زاروا مصر القديمة من المؤرخين والرحالة والغزاة.

مومياء الفرعون توت

بالطبع هناك أناس لا يأخذون هذا الكلام على محمل الجد، وقد لا يحسبونه سوى من الخرافات والأساطير، متناسين بأن أرض مصر الفرعونية كانت أصلا أرضا للأساطير الحية التي أعيا حلها العلماء حتى يومنا هذا، فالعلماء مثلا يقولون بأن الفراعنة شيدوا الأهرامات بطريقة المدرجات الترابية وباستعمال الأزاميل النحاسية والرافعات الخشبية، لكن أولئك العلماء أنفسهم يجدون صعوبة في تصديق هذه النظرية، فكيف لرافعة خشبية أن تحمل حجرا يزن عشرات الأطنان لتضعه في مكانه بالضبط بحيث يتراص مع الأحجار التي بجواره بدقة لا تترك المجال لدخول إبرة؟!. بعض المؤرخين العرب كانت لهم نظرية أخرى في كيفية تشييد الأهرامات، قالوا بأن الفراعنة كانوا ينقلون تلك الأحجار العظيمة إلى أعلى الهرم بواسطة السحر، كان الكاهن يشير إلى الحجر بعصاه فيحلق في الهواء كالريشة ليحط في مكانه بالضبط!. وقد ذهب بعض الباحثين في مجال الخوارق أمثال السويسري فون دانكين في كتابه الشهير "عربات الآلهة" إلى نظرية مفادها أن الفراعنة شيدوا الأهرامات بواسطة تكنولوجيا متطورة حصلوا عليها من مخلوقات فضائية.

ومع وجود كل هذه الألغاز والغرائب في أرض مصر، فلماذا لا تكون قصة اللعنة حقيقية أيضا. ففي نفس ذلك المساء الذي جرى فيه فتح قبر الفرعون، تسللت أفعى كوبرا ملكية إلى غرفة نوم هاورد كارتر والتهمت عصفور الكناري المحبب لديه والذي كان محبوسا داخل قفص في منزله المشيد على أحد التلال القريبة من موقع التنقيب.

وقد أثارت هذه الحادثة دهشة الجميع، حتى كارتر نفسه تعجب منها، ليس فقط لتزامنها مع دخوله القبر للمرة الأولى، لكن لدلالتها أيضا، فالمعروف أن الكوبرا الملكية كانت حارسة الفرعون ودائما ما تزين تاجه، فهل كانت هذه بمثابة رسالة تحذير لكارتر؟.

المصادفات الغريبة لم تقف عند هذا الحد، فبعد فترة على حادثة الكناري شاهد كارتر حيوان أبن آوى يحوم بالقرب من قبر الفرعون توت، وقد أثار ذلك استغرابه بشدة، فخلال 35 عاما من عمله في البراري والصحاري المصرية لم تقع عيناه قط على حيوان أبن آوى. والمعروف أن لأبن آوى دلالة كبيرة لدى الفراعنة، فهو تجسيد الإله أنوبيس، إله الموتى لدى قدماء الفراعنة. فهل كان ظهوره إيذانا بالموت الذي سيطارد العديد من الأشخاص الذين شاركوا وساهموا في انتهاك حرمة قبر الفرعون؟.

أول وأشهر ضحايا اللعنة كان اللورد كارنافون، الرجل الذي مول بعثة كارتر لسنوات وشارك في فتح القبر. إذ لم تمض سوى شهور قليلة حتى فارق الحياة لسبب تافه وغريب، قرصته بعوضة على وجنته أثناء نومه، وفي صباح اليوم التالي جرح اللورد مكان القرصة بالموس أثناء حلاقة لحيته، وهو الأمر الذي أدى إلى تلوث وتسمم الجرح ليلفظ اللورد كارنافون أنفاسه الأخيرة بعد أيام قليلة فقط في غرفته بأحد فنادق القاهرة، ويقال بأن التيار الكهربائي أنطفأ بصورة غامضة في جميع أنحاء القاهرة خلال الدقائق التي لفظ فيها كارتر أنفاسه الأخيرة، وبأن كلبه المدلل في قصره بانجلترا صرخ فجأة ثم سقط ميتا. ولعل أعجب ما في الأمر هو التطابق المثير للدهشة بين طريقة موت اللورد وبين نص اللعنة الذي يقول بأن الموت سيأتي على "أجنحة رشيقة" لكل من يقلق راحة الملك .. وهل هناك أرشق وأخف من جناح البعوضة؟!.....

ولا تنتهي الغرابة هنا، فبعد أقل من سنة على موت اللورد مات شقيقه مسموما هو الآخر، وبعد بضعة سنوات مات شقيقهما الآخر بنفس الطريق تقريبا!! .. أما أغرب ما في القصة بأسرها فيتمثل في وجود أثر لجرح صغير على وجنة مومياء الفرعون توت في نفس المكان بالضبط الذي تعرض فيه اللورد كارنافون لقرصة البعوضة!!!.....

حادث موت اللورد كارنافون يعتبر الأشهر في سلسلة الحوادث الغريبة التي أدت لاحقا إلى موت العديد من أفراد بعثة كارتر، من الأجانب والمصريين، فبعض المصادر تشير إلى أن عدد ضحايا اللعنة بلغ أربعين رجلا مات أغلبهم في حوادث غامضة وأقدم بعضهم على الانتحار. وهناك أيضا من يربط بين الموت المفاجئ لعدد من مدراء المتاحف الأوربية والأمريكية وبين عرض مومياء الفرعون توت في تلك المتاحف خلال جولاتها العالمية.

أما بعيدا عن التهويل والإثارة، فأن السجلات الرسمية تعطينا أرقاما أخرى لعدد حوادث الموت المرتبطة بالفرعون توت، فهي لا تشير سوى إلى موت ثمانية أشخاص من أفراد بعثة كارتر خلال السنوات العشر التالية لاكتشاف القبر، ماتوا لأسباب مختلفة، مرضا وقتلا وانتحارا. هاورد كارتر نفسه لم يمت إلا بعد 16 عاما على اكتشاف القبر. وهو الأمر الذي دفع المشككين بقصة اللعنة إلى اعتبارها مجرد خرافة لا أساس لها من الصحة، أما المؤمنين فيقولون بأنها حقيقية متحججين بموت اللورد كارنافون الغريب، فاللورد كان الشخص الأكثر أهمية في بعثة كارتر، بل أهم من كارتر نفسه، فلولا تمويله لبعثة كارتر لما استطاع هذا الأخير أن يكتشف القبر أبدا.