هل هناك حقا شيء أسمه لعنة الفراعنة؟.




الجواب على هذا السؤال يستلزم منا معرفة وإحصاء عدد الذين ماتوا حقا بسبب تدنيسهم للقبور الفرعونية وهتكهم لحرمة مومياءاتها. وفي الواقع لا توجد أبدا مثل هذه الإحصائية، بل يستحيل وجودها، لأن أغلب الذين عبثوا بالقبور المصرية كانوا من اللصوص، غالبا في العهود القديمة، أحيانا بعد فترة ليست بقصيرة على دفن المومياء وإغلاق القبر، وبطبيعة الحال لا أحد يعلم ماذا جرى لهؤلاء اللصوص .. كيف ماتوا ؟ ..


هل قرصتهم بعوضة أم لدغتهم كوبرا ملكية ؟ ..

 لا أحد يعلم جواب هذه الأسئلة طبعا. لكننا نعلم بأن حجم الانتهاكات لقبور المصريين القدماء كان من الانتشار والرواج والسعة بحيث أن مومياءات الفراعنة كانت تملئ أسواق مصر وكانت الكثير من الناس يرتدون لفائفها كملابس. وخير شاهد لنا على ذلك هو الرحالة عبد اللطيف البغدادي، فأنا تعجبني أمانة وعلمية ودقة هذا الرجل في كتاباته بعيدا عن الخرافات التي كانت رائجة في زمانه، وهو يقول بهذا الخصوص :

"ومما يقوي أطماعهم (اللصوص) ويديم إصرارهم أنهم يجدون نواويس تحت الأرض فسيحة الأرجاء محكمة البناء، وفيها من موتى القدماء الجم الغفير والعدد الكثير قد لفوا بأكفان من ثياب القنب لعله يكون على الميت منها زهاء ألف ذراع وقد كفن كل عضو على انفراده كاليد والرجل والإصبع في قطع دقاق ، ثم بعد ذلك تلف جثة الميت جملة حتى يرجع كالحمل العظيم . ومن كان يتتبع هذه النواويس من الإعراب وأهل الريف وغيرهم يأخذ هذه الأكفان فما وجد فيه تماسكا ، اتخذه ثيابا أو باعه للوراقين يعملون منه ورق العطارين . ويوجد بعض موتاهم في توابيت من خشب الجميز الثخين ، ويوجد بعضهم في نواويس من حجارة أما رخام أو صوان وبعضهم في أزيار مملوءة عسلا ، وخبرني الثقة أنهم بينما كانوا يتقفون المطالب عند الأهرام صادفوا دنا مختوما ففضوه فإذا فيه عسل ، فأكلوا منه فعلق في أصبع احدهم شعر فجذبه فظهر لهم صبي صغير متماسك الأعضاء ورطب البدن عليه شيء من الحلي والجواهر .... وأما ما يوجد في أجوافهم وأدمغتهم من الشيء الذي يسمونه مومياء فكثير جدا ، يجلبه أهل الريف إلى المدينة ويباع بالشيء النزر ولقد اشتريت ثلاثة رؤوس مملوءة منه بنصف درهم مصري".

يا للعجب! .. عبد اللطيف البغدادي .. في سنة 1198 ميلادية .. أشترى رؤوس ثلاثة مومياءات من سوق القاهرة بنصف درهم مصري! .. و لك بعد هذا عزيزي القارئ أن تتخيل حجم التدنيس والانتهاك الذي تعرضت له المقابر الفرعونية على مدى أربعين قرنا.

طيب إذا كان تدنيس وسرقة القبور الفرعونية في العصور القديمة بهذه السعة والانتشار كما قرأنا أنفا، فلماذا إذن لم نسمع باللعنة إلا في العصر الحديث، إلا مع فتح قبر الملك توت عام 1922 ؟.

الجواب ببساطة هو أن تلك اللعنة لا تصيب سوى منتهكي قبور الملوك والكهنة وليس عامة الناس، فاللعنات لها متطلبات، من طلاسم وتعاويذ ووصفات سحرية لا يقدر عليها سوى الملك والنبلاء والكهنة. ولهذا فأن اللعنات لم تكن توضع إلا في قبور علية القوم، خصوصا في القبور التي تحوي كنوزا عظيمة مثل قبر الملك توت. وربما تعرض سارقو أمثال هذه القبور للمرض والموت بسبب اللعنة في العصور القديمة لكننا لم نسمع عن ذلك لأنهم أولا كانوا يعملون بسرية تامة .. ثانيا كانت عائلاتهم لا تجرؤ حتما بالحديث عن كيفية وسبب موتهم خشية أن يقوم الملك أو الوالي بالقبض عليهم ومطالبتهم بتسليم الكنز.

وبعيدا عن هذا كله .. يؤكد العلماء من جهتهم بأن الكثير من الناس عبر العصور ماتوا بسبب القبور الفرعونية، ليس جراء اللعنة طبعا، فالعلماء لا يؤمنون بهذه الأمور، لكن بسبب الجراثيم والبكتريا القاتلة التي تشتمل عليها تلك القبور، فلا تنسى عزيزي القارئ بأنها كانت قبورا مغلقة لآلاف السنين ففسد وتكدر هواءها وصارت مرتعا للكثير من الطفيليات والغازات السامة الخطيرة. وقد أكتشف العلماء حديثا بأن قبور الفراعنة غير المفتوحة تحتوي بالفعل على العديد من الغازات السامة التي يمكن لها أن تسبب الموت خلال لحظات قليلة فقط.