التكامل بين الرجل والمرأة ... للشيخ محمد متولي الشعراوي


التكامل بين الرجل والمرأة


وقبل أن نبدأ .. في مناقشة الموضوع تفصيلاً .. لابد أن نحدد قضية الخلاف على الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، ذلك أن هذا الخلاف يثار دائماً لعدم فهم طبيعة الخلق من الله سبحانه وتعالى ذلك لأن الناس تحسب أن الرجل والمرأة خلقا متنافسين، ولكنهما في الحقيقة خلقاً متكاملين، أي يكمل كل منهما الآخر. اقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى "1" وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى "2" وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى "3" إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى "4"} (سورة الليل)

لقد أراد الله تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى قضية التكامل بين الرجل والمرأة، كقضية التكامل بين الليل والنهار .. الليل والنهار مختلفان في الطبيعة .. فالنهار يملؤه الضوء .. وهو وقت السعي وراء الرزق والحركة، والليل تملؤها الظلمة وهو وقت السكون والراحة والنوم.

كلاهما أي الليل والنهار يختلفان في طبيعة مهمتهما في الكون، ولكنهما مع ذلك متكاملان في هذه المهمة، أي يكمل أحدهما الآخر، فلو أن الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا كلها نهارا، لتعب الناس لأنهم لا يجدون وقتاً تسكن فيه النفوس وتطمئن القلوب، ولا يجدون الراحة التي توفر لهم الاستعداد لاستقبال الحركة في الحياة.
ولو أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون كله ليلاً، ما استطاع الناس الحركة ولا العمل، ولا السعي على الرزق إلا بصعوبة. واقرأ قول الحق جل جلاله:

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ "71" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ "72"} (سورة القصص)

إن الله سبحانه وتعالى يلفتنا إلى أن مهمة الليل والنهار في الكون هي مهمة متكاملة، وليست متعاندة، أي لا يعاند بعضها بعضاً، ولاكن يكمل بعضها بعضاً وهذا واضح من حركة الحياة.

الإنسان إذا لم يسترح ويسكن ليلاً، لا يستطيع السعي والعمل نهاراً، والإنسان الذي تضطره ظروفه مثلا .. أن يواصل العمل ليلاً ونهاراً، لا يمر عليه يومان إلا ويكون قد فقد القدرة على العمل والحركة، ولابد أن ينام فترة توازي فترة ليل اليومين اللذين قضاهما مستيقظاً.

النوم بالليل هو الذي يعطي الراحة الحقيقية للجسم، ذلك أن حركة الحياة تهدأ ليلا، مما يتيح للإنسان نوماً عميقا .. فضلاً عن ذلك فإن النوم ليلاً ـ كما ثبت من الأبحاث الطبية الحديثة ـ يعطي الجسد راحة لا يعطيها له نوم النهار.

كذلك لا يستطيع أحد أن يقول: إن الليل والنهار متعاندان .. بل هما متكاملان .. يكمل كل منهما الآخر. ولكي تستقيم الحياة، لا يستغني الإنسان عن ليل أو نهار.

أيضاً الرجل والمرأة خلقهما الله سبحانه وتعالى متكاملين وليسا متعاندين. الرجل له وظيفته في السعي على الرزق، ورعاية زوجته وأولاده، وتوفير أسباب الحياة لهم. والمرأة لها مهمتها في رعاية البيت وإنجاب الأولاد .. وتكون سكناً للزوج عندما يعود إلى بيته متعباً من حركة الحياة، تستقبله بابتسامة تمسح له شقاء اليوم، ويجد كل ما يحتاج في بيته معداً، ولذلك قال الله تبارك وتعالى:
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "21"} (سورة الروم)

وهكذا حدد الله سبحانه وتعالى المهمة المتكاملة للرجل والمرأة، فكلاهما يكمل بعضه بعضاً، لا الرجل يصلح لمهمة المرأة في إنجاب الأطفال ورعاية البيت، وتربية الأولاد والعناية بهم، ولا المرأة مهمتها الأساسية أن تسعى في سبيل الرزق؛ لتوفير لقمة العيش للرجل، وليس هذا على مستوى الأفراد والأمم فقط، ولكنه شمول للكون وما فيه ومن فيه، وإن كانت هناك نساء تسعين على الرزق، فإن ذلك يكون في حدود إمكاناتها واستعدادها الفطري مع شمولها بالكرامة، وإحاطتها بكامل الرعاية.

لا يوجد رجل يبقى في البيت وامرأته تعوله وهو قادر على الكسب، إلا نال احتقار الناس بما فيهم زوجته، ولا توجد امرأة إلا تتمنى أن تعيش في حماية رجل يوفر لها كل شيء ويرعاها.

تلك هي سنة الله في كونه بصرف النظر عن الإيمان وعدم الإيمان، ومن تمام الحياة، أن يؤدي كل إنسان مهمته فيها، أما قلب الموازين، فلا ينجم عنه إلا الشقاء للإنسان.

ولكن ما الذي حدث؟ .. أخذت القضية غير مسارها .. وأصبح هناك شبه معركة بين الرجل والمرأة، فلا المرأة قنعت بدورها ومهمتها، ولا الرجل رضى بمهمة المرأة في الحياة، بل كلاهما دخل في معركة متعاندة. وهذا هو الذي أوجد القضية التي ما كان يجب أن توجد لو أن كلاً منهما رضى بمهمته في الحياة.
إنها فتنة صنعها الحاقدون على أنفسهم وعلى كل القيم النبيلة بغية الظهور العارض والالتفاف للذات لإثبات وجودهم، ولو كان الإثبات على خطأ.

لكن المرأة أصرت على أن تزاحم الرجل في العمل والرجل استسلم لمزاحمة المرأة، بل ودفعها إلى ذلك، فما الذي حدث؟ .. حدث اختلاف في المجتمع. بعض الناس يقول: إن الضرورة قضت عمل المرأة.

ونحن لا نتحدث هنا عن وضع متفرد يمثل ظاهرة عارضة تعالج بمعرفتها القيم على طول الزمن ومر الأيام، ولكننا نتحدث عن الأمور الطبيعية التي يقرها العقل، وينادي بها الشرع وتحيا بها الحياة في ظل أسرة كريمة.

أ/ احمد ريحان